الشمّاس فراس عبدربه: "الدعوة هي نداء داخلي مستمر للخروج من الذات لتعلم المحبة بكل حق"

بقلم: مكتب إعلام البطريركية اللاتينية - نشرت بتاريخ: June 18 Mon, 2018

الشمّاس فراس عبدربه: "الدعوة هي نداء داخلي مستمر للخروج من الذات لتعلم المحبة بكل حق" متوفرة باللغات التالية:

بيت جالا – احتفلت أبرشية القدس، يوم أمس الجمعة ١٥ حزيران ٢٠١٨، بالرسامة الشماسية للشدياق فراس عبدربه في كنيسة سيدة البشارة في بيت جالا. وفي هذه المناسبة، التقى مكتب إعلام البطريركية اللاتينية بالشمّاس الجديد للحديث معه عن دعوته والتحضيرات التي قام بها لهذه الرسامة.

١) ما هي الدعوة بالنسبة لك؟

الدعوة هي نداء لعيش مغامرة واهتداء وهي نداء داخلي مستمر للخروج من الذات لتعلم المحبة بكل حق. كما وهي تجلي فعلي لرحمة الله في حياتي كإنسان ضعيف. لقد جعلني الله أسير في طرق لم أكن أتخيلها يوماً. أشعر بأن هذه الضغوطات التي عشتها من خلال الدعوة كانت دافعاً لي للتقدم، بالرغم من ميلي إلى البحث عن راحة البال ذات الطابع الأناني. كما وساعدتني على فهم المعنى العميق لما قاله يسوع: “إن الذي يُريدُ أن يُخلّص حياتَه يَفقِدُها، وأما الذي يَفقِدُ حياتَه في سبيلي وسبيلَ  البشارة فإنّه يُخلّصها” (مرقس ٨: ٣٥). نستطيع أن نقول الشيء ذاته عن الدعوة إلى الزواج. المحبة تعطي نفسها. لا يوجد طريقة أخرى للتعبير عن كلمة “أحب“.

٢) هل تستطيع أن تُحدّثنا عن التحضيرات التي قمت بها لهذه الرسامة؟

هذا العام سيتقدم ٥ أشخاص من المعهد الإكليريكي في بيت جالا لقبول الرتب الكهنوتية في أبرشية القدس. لقد جرت التحضيرات لكل من الرسامة الشماسية والكهنوتية في دير اللطرون. إلا أن التحضير الحقيقي بالنسبة لي كان قد بدأ منذ فترة طويلة، قبل وخلال دراستي في المعهد الإكليريكي، ومن الواجب أن يستمر بطريقة أخرى بعد الرسامة. لا تمثل الرسامة نقطة وصول فحسب بل بداية جديدة. كما ولا تمثل غاية نهائية بحد ذاتها، لأنها ليست كذلك! الرسامة هي وسيلة مهمة للوصول إلى الغاية، لذلك أستعد لقبولها بكل فرح وأمل، وأضع نصب عيني الخدمة الكهنوتية والخدمة بكل محبة في شركة مع الله.

بطريقة ما، أنا جاهز لقول كلمة “نعم” لدعوة الله لي والالتزام بها. إلا أنه لا يوجد أي شخص يستطيع أن يدّعي بأنه “جاهز” للرسامة بشكل كامل. الواقع ليس كذلك، ذلك لأننا في حالة نمو مستمرة. طالما أنا حيٌّ ومسيرتي متواصلة فهذا الأمر يمثّل مصدر راحة وفرح وسلام. إن دعوتي، أو الفرح والسلام اللذين يتدفقان منها، ليست أمراً ثابتاً يحصل المرء عليه مرة واحدة وإلى الأبد. من الجيد أن الأمر ليس كذلك، وإلا سأصاب بالضجر.

٣) ما هي الخبرات التي عشتها في حياتك وفي المعهد الإكليريكي في بيت جالا حتى هذه اللحظة؟

لقد عشت خبرة واسعة خلال سنوات دراستي في المعهد الإكليريكي. أشكر الله على مرافقته لي في هذه المسيرة والتي قادتني اليوم إلى هذه المرحلة الجديدة في حياتي المسيحية. لقد قامت الكنيسة بإنشاء المعهد الإكليريكي كمكان للتعليم وتمييز الدعوات وهي مرحلة لا غنى عنها. لقد عشت فترتين في المعهد، كانت الأولى ما بين الأعوام ٢٠٠٢ و٢٠٠٦. أما الفترة الثانية فكانت من عام ٢٠١٥. إن السنوات بين هاتين الفترتين كانت قد أحدثت تغييراً فيّ وكذلك في المعهد نفسه. ليس المطلوب المقارنة بين الفترتين بل رؤية الأمور المشتركة بينهما، ففي كلتا الفترتين حصلت على الفرح والقوة على المثابرة من خلال الصلاة والدراسة وبعض الأصدقاء الطيبين. ستشكل هذه الأمور الثلاثة أساساً متيناً لبقية حياتي الكهنوتية وخلال تقلبات الحياة.

بعد إنهاء دراستي الثانوية في عام ٢٠٠٢، التحقت بالإكليريكية الكبرى التابعة للبطريركية اللاتينية في بيت جالا، وبقيت هناك حتى حزيران ٢٠٠٦، إذ كنت قد أنهيت حينها السنة الأولى من دراسة اللاهوت لأتوجه بعدها للتعرف على حياة الرهبنة في دير رقاد العذراء للبندكتان لمدة ٦ أشهر. بعد ذلك، عملت لمدة نصف عام في المركز الفرنسي في بيت لحم. وفي شهر آب ٢٠٠٧ التحقت بكلية الحقوق في جامعة بيرزيت، وفي عام ٢٠١١ حصلت على بكالوريوس في الحقوق.

بعد إنهاء دراستي الجامعية في بيرزيت، حصلت على بعثة دراسية من القنصلية الفرنسية العامة في القدس لمواصلة تعليمي العالي في جامعة تولوز في فرنسا، حيث حصلت على ماجستير في القانون العام وتاريخ القانون.

بعد عودتي إلى فلسطين في عام ٢٠١٢ بدأت العمل في مكتب إعلام البطريركية اللاتينية وكنت مسؤولاً عن الموقع الإلكتروني للبطريركية باللغة العربية.

طوال هذه الفترة الطويلة من الدراسة والعمل شعرت دائماً بدعوة من الله، ولكن لم أشعر بعد آنذاك بأني جاهز للرد على هذه الدعوة. بعد رياضة روحية في دير عمانوئيل في بيت لحم، تمكنت حينها من أخذ القرار والالتحاق بالمعهد الإكليريكي التابع للبطريركية اللاتينية.

إن للرب طرقه. إني أمجده لما وهبني من محبة ورحمة وصبر خلال نضوجي الإنساني، وأتمنى أن أشارك بعضاً من هذه الهبات مع الآخرين عبر الخدمة الكهنوتية.

٤) أين ستقوم بخدمتك الشماسية؟ وكيف تنظر إلى رسامتك الكهنوتية في المستقبل؟

في الوقت الحالي لا أعلم أين سأقوم بخدمتي الشماسية. ما أفكر به الآن هو كيف أستطيع أن أكرس نفسي من كل قلبي في الفرح والإيمان والرجاء وخاصة في المحبة.

كما ذكرت سابقاً، هنالك ثلاثة هبات ستساعدني في خدمتي الكهنوتية في المستقبل؛ الصلاة والدراسة والصداقة. أما فيما يتعلق بالرسالة والعمل الرعوي، فأنا سأولي اهتماماً خاصاً على خدمة المرافقة الروحية التي تتضمن الصلاة والتعليم وعمل الرياضات الروحية وزيارات العائلات والاهتمام بشكل خاص بالمرضى والفقراء والشباب المهمشين…إلخ.

٥) كيف يختار المرء أن يصبح كاهناً أبرشياً أو راهباً؟

بالنسبة لي، اخترت أن أصبح كاهناً أبرشياً في البطريركية اللاتينية وليس راهباً لتمسكي ومحبتي أولاً بشعبي الفلسطيني والأرض المقدسة والكنيسة المحلية، إذ أريد أن أخدمهم بطريقة مباشرة. هنالك جانب آخر في شخصيتي وبنائي النفسي دفعاني من دون وعي أولاً ثم بطريقة واعية إلى الانضمام إلى الإكليروس الأبرشي، وهو الحاجة إلى الشعور بالحرية في خياراتي الشخصية في حياتي وتحمل مسؤوليتها. أقدر بشدة الحياة الرهبانية بشكل عام والحياة النسكية بشكل خاص. لقد استطعت أن أميّز بين هاتين الحياتين من خلال جملة من كتابات القديس فرنسوا دو سال والذي يقول: “يستطيع الله أن يسمح بدعوة غير صحيحة من أجل أن ينقذ الدعوة الحقيقية“. هذا يعني أن تقديري للحياة الرهبانية والنسكية واللتان تغذيان فيّ روحانية حقيقية، هي الوسيلة التي من خلالها سيخلص الله حياتي بصفتي كاهن أبرشي، فينقذني من الحياة الدنيوية أو من السطحيّة الناجمة عن التجارب الثلاث للكاهن الأبرشي: المبالغة في النشاط، الروح الاكليروسية والمرجعية الذاتية التي يمكن أن تعزله عن “إخوته” في المعنى الواسع للكلمة.

تصوير: مكتب إعلام البطريركية ©LPJ