القدس - منذ إعادة تأسيس البطريركية عام 1847، وإصدار الحبر الأعظم البابا بيوس التاسع الرسالة الرسولية Nulla Celebrior ، جلس على الكرسي البطريركية في القدس عشرة بطاركة مختلفين، بدأً من البطريرك جوزيف فاليرغا حتى البطريرك الحالي بييرباتيستا بيتسابالا، دون أن ننسى الدور المهم للبطريركين فيليبو كاماسي وميشيل صباح، اللذين تركا لمستهما الشخصية في البطريركية اللاتينية. يدعوك موقع lpj.org اليوم لإعادة اكتشاف تاريخ البطاركة الأوائل من خلال عشر حقائق غير معروفة عن كل واحد منهم.
٢ / البطريرك منصور براكو – خدم بطريركا من 1873 إلى 1889
تواريخ مهمة:
بعض الحقائق:
عرف البطريرك باسم منصور (بالإيطالية Vincenzo). واسمه الكامل هو Vincenzo Giovanni تيمنا باسم والدته Vincenza (بالعربية نصرة) ، واسم والده Giovanni.
ولد في أسرة فقيرة. ومكّنته رغبته في العلم والتعلّم من أن يصبح طالبًا في كلية بورت موريس. الا ان الفقر الشديد لم يمكنه من تحمل تكاليف الإقامة في الجامعة كباقي الطلاب. لذا وجب عليه يوميا قطع مسافة ١٠ كيلو مترات ذهابا وإيابا من والى الجامعة، بالإضافة الى اشتراكه في القداس الإلهي الذي كان يقام قبل بدء الدوام الجامعي بساعة، والذي قرّر الالتزام به كل يوم.
علاوة على ذلك، أمضى إجازاته في العمل في الأرض مع عائلته، بينما كان يخدم القداس بأمانة كل صباح. قد يعتقد البعض بأنه لم يكن يجد وقتا للدراسة، ولكنها ليست الحال لدى البطريرك. فعلى الرغم من كل الأعباء الثقيلة التي تحملها الا انه نجح بأن يكون الأول على دفعته، علما بأن زملاءه تخلوا عن فكرة منافسته لعدم توفر الكفاءة لديهم. كما أنه اعتُبر في الوقت نفسه ضعيف البنية لأداء الخدمة العسكرية!
عُرف منصور، منذ حداثته، بكونه جادا ومنضبطا وتقيا وهادئا... بلغ درجة من الكمال حتى أن الكلمات كانت تعجزعن وصفه. وبفضل الأب أنطونيو بيلوني السالسي، الذي درس معه والذي عرف بحبه شديد للأيتام، وصل صيته الى البطريرك فاليرغا، أول بطريرك للاتين في القدس؛ ومع نهاية عام 1859 كتب الاب انطونيو إلى رئيسه الإقليمي طالبا منه ان يرافقه الشاب منصور في حجّه الى الأرض المقدسة. واقد ابدى براكو استعداده ببساطة قائلا: "آمين".
عُرف البطريرك براكو بجرأته، وعلى الرغم من تواضعه الا ان له بصمات واضحة وجريئة. تم اختياره من قبل البابا ليصبح أسقفًا مساعدًا للبطريركية عام 1866 (بناءً على توصية البطريرك فاليرغا)، ورحب الجميع بتعيينه. احتشدت الوفود لاستقباله بمسيرات فروسية، والعاب مبارزة، وألعاب نارية، وأغاني تقليدية. ولكن بمجرد انتهاء الاحتفالات، حبس البطريرك براكو نفسه في غرفته وبكى لفترة طويلة - وكأن مثل هذه الاحتفالات أثرت عليه بشدة.
ونتيجة لغيابات البطريرك فاليرغا المتكررة (الذي كان أيضًا قاصدا رسوليًا لسوريا وغالبًا ما تم إرساله في بعثات خارج الأبرشية) ولجسامة المسؤولية، اخذت صحة البطريرك براكو في التدهور. كتب رسالة إلى البطريرك فاليرغا يعتذر فيها عن "سوء صحته" كما أنه طلب الإذن للحصول على المعالجة في مكان قريب من المدينة المقدسة ودون أن يسبب إزعاجا لأحد. وفي الوقت الذي كان فيه مستعدا لأن يفتح محفظة الدراهم للمحتاجين ولأية قضية مهمة (كما قال أحد الكهنة)، لم يكن يهتم بنفسه. أهمل البطريرك براكو صحته ولم يعتن بها كما يجب.
تعتبر رهبنة الوردية من أقدم الرهبنات الكاثوليكية في الشرق العربي. تعمل الراهبات اليوم في جميع أنحاء الأرض المقدسة. وقد كان للبطريرك براكو يد في تأسيس هذه الرهبنة. في عام 1875، ذهبت الأخت ماري ألفونسين، من رهبانية مار يوسف الظهور، إلى مكتبه لتتحدث معه عن دعوتها. كانت قد تلقت رؤيا من العذراء تطلب منها أن تؤسس "رهبنة الوردية". أرسلها البطريرك براكو أولا إلى الأب بللوني مؤسس دار الأيتام في بيت لحم لنيل مشورة، وعمل على توفير مقر قريب من البطريركية ليكون مكانا لتنشئة وتعليم المبتدئات. كما وقام لاحقا بإرسال عدد من الراهبات لرعايا الابرشية: الزبابدة، نابلس، بيرزيت ، بيت ساحور ، الفحيص ، يافا الناصرة ، السلط ... كما وأسهم البطريرك في تأسيس العديد من المؤسسات الدينية الأخرى في الأرض المقدسة: آباء الصعود، رهبان الترابيست، راهبات الكلاريس، ورهبان القديس يوحنا خادم الله....
سعى البطريرك فاليرغا، البطريرك الأول، إلى تأليف كتب للتعليم المسيحي والتربية الدينية لأبرشيته. تابع براكو الأمر شخصيًا، موزّعا المضمون الى جزءين أحدهما للصغار والآخر للأحداث. سيبقى هذا النص، الذي كتب باللغة العربية ثم ترجم إلى الفرنسية، مرجعًا للتعليم المسيحي لأكثر من 40 عامًا. لم يتوقف البطريرك اللاتيني الثاني عند هذا الحد: فقد قام أيضًا بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية بمساعدة الآباء اليسوعيين، وكتب العديد من الرسائل الرعوية إلى المؤمنين، للتواصل معهم.
اعتاد على تنظيم برنامجه اليومي كالتالي: "الاستيقاظ الساعة الخامسة صباحًا" ومن ثم "الاحتفال بالقداس الإلهي الساعة السابعة صباحًا، وصلاة الشكر الساعة الثامنة صباحًا. وبعد الساعة 8:30 صباحًا القراءة الروحية ". كان أمينا لصلاة السحر وفرض القراءات وصلاة الغروب، وفحص الضمير. ناهيك عن القواعد المتعلقة بسلوكه الداخلي: "الثقة الكاملة بالله تعالى وبقدرته"، "الحرص على أن يكون الغرض الوحيد من أفعالي هو إرضاء الله باستمرار "، "لن أتخذ قرارًا في مسألة جدية أبدًا دون التماس نعمة الروح القدس لمدة ثلاثة أيام على الاقل"، "سأحاول أن أبقي في نفسي إحساسًا عميقًا بالتواضع ".
في ذلك الوقت، وفي شرق الأردن، لم تكن المرأة معتادة على دخول الكنائس. لكن وجود الراهبات كان يمكن أن يجذبهن، لكنهن لم يتواجدن في كل مكان. وعانت بعض الرعايا من هذا النقص. وهكذا، في الفحيص، بينما رحبت النساء بالكاهن ترحيبا حماسيا، إلا أنهن تفرقن جميعًا بمجرد دخوله الكنيسة. وبقي الرجال وحدهم. وقد تأثر البطريرك من ذلك كثيرا وسعى إلى الإسراع في استقدام رهبانيات نسائية لمعالجة ذلك.
وصفه المونسنيور بلتريتي (بطريرك القدس اللاتيني من 1970 إلى 1987) بأنه، في نظر رفاقه، "رجل الله الحقيقي" و"راعي النفوس"، وبأنه يتمتع "بهدوء كبير ووداعة راسخة "، وفي نظر أساتذته كان شخصا "معطاء". وكان البطريرك براكو في نظر أبناء رعيته، قديسًا حقيقيًا... وبالإضافة لما سبق، شهد له وأشاد به الكهنة الأجانب... ناهيك عن المسلمين الذين أطلقوا عليه لقب "الرجل الذي لا يخطئ". وحتى الروم الأرثوذكس أعربوا أكثر من مرة عن إعجابهم بفضائله.
وقع المشهد قبل ساعات قليلة من وفاته جراء اصابته بالتهاب رئوي. كان مستلقيًا على سريره وكان الجميع يعلم أنهم لن يروه بعد ذلك. ذهب جميع كهنته لينالوا بركته وتبعهم طلاب الكهنوت ... ثم مجموعة من المقدسيين الذين تقدموا لسماع صوته وليمنحهم بركته الأخيرة. وفي الليلة التالية، توفي البطريرك براكو بعد ستة عشر عامًا على رأس البطريركية اللاتينية.
يتبع...
مصادر: