عادت شوارع مدينة بيت لحم القديمة الضيقة لتتردّد فيها ترانيم الميلاد مجددًا، حيث سار أكثر من عشرين فوجًا كشفياً أمام غبطة البطريرك الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، والوفد المرافق من السلطات الدينية والمدنية، وذلك خلال دخوله الرسمي إلى بيت لحم يوم 24 كانون الأول 2025، معلنًا بدء احتفالات عيد الميلاد.
واستنادًا إلى التقليد، رحب غبطة البطريرك، برفقة الأساقفة والكهنة في البطريركية اللاتينية، أولًا بمؤمنين رعية القدس في دار البطريركية لتبادل تهاني عيد الميلاد. ثم انطلقت الموكب نحو بيت لحم، متوقفة عند دير مار الياس، وعند قبر راحيل استقبل الأب رافائيل تيم، راعي رعية بيت لحم، غبطة البطريرك عند مدخل المدينة رسميًا.
وتابع البطريرك سيره في شارع النجمة، الذي يُعتقد تقليديًا أنه الطريق الذي سلكه يوسف ومريم، فيما وقفت العائلات على جانبي الطريق لتحيته في طريقه إلى كنيسة المهد. وأمام الكنيسة، استقبله رئيس بلدية بيت لحم، السيد ماهر قنّواتي، برفقة ممثلين عن البلدية. وفي كلمته أمام الحشد، هنّأ غبطة البطريرك شعب بيت لحم على قرارهم الاحتفال بعيد الميلاد هذا العام بتعبيرات علنية ومرئية للفرح، واصفًا المدينة بأنها نور للعالم. كما نقل تحياته وصلواته من غزة، التي زارها مؤخرًا، متأملاً في الرغبة العميقة للحياة التي شهدها هناك، إلى جانب أمل متين في التجديد والبناء.

لم تقتصر احتفالات بيت لحم على المسيحيين المحليين فحسب، بل شملت أيضًا المؤمنين القادمين من الجليل وعددًا محدودًا من الحجاج. ومن بينهم هيبوليت، حاج فرنسي يحتفل بعيد الميلاد في بيت لحم لأول مرة، فقال: "إنها حقًا فرصة فريدة للتواجد هنا"، مشيرًا إلى وحدة المجتمعات المسيحية المتجمعة في مدينة ميلاد المسيح.
وعبرت بعض السكان المحليين عن مشاعر مختلطة. قالت نالا عطوان، إحدى سكان المدينة: “نحن سعداء جدًا بعودة الاحتفالات إلى بيت لحم، ومع ذلك، يبقى الحزن، خاصة للأطفال الذين لا يزالون يعانون عواقب الحرب.” وشاركت أنطوانيت زيدان من الناصرة بأنها زارت بيت لحم آخر مرة قبل الحرب، وأنها بعد التهدئة قررت العودة، معربة عن أملها أن يجلب هذا الميلاد السلام الدائم.
ثم دخل غبطة البطريرك من الباب الضيق لكنيسة المهد ليترأس صلاة الغروب المهيبة، التي أقيمت تحضيرًا لقداس منتصف الليل في كنيسة القديسة كاترينا التي امتلأت بالمؤمنين من مختلف أنحاء العالم، واقفًا فيها كثير منهم لساعات للمشاركة.

ومع بدء قداس عشية الميلاد، دخل غبطة البطريرك والأساقفة والكهنة المشاركون، من بينهم المطران وليم شوملي، النائب البطريركي العام، المطران أدولفو تيتو يلانا، القاصد الرسولي للأرض المقدسة، المطران بولس ماركوتسو والمطران إيلاريو أنتونياتسي.
وعند منتصف الليل دقت الأجراس وكُشف عن تمثال الطفل يسوع بعد إعلان إنجيل الميلاد.
ومن بين الحاضرين كان هناك عدد كبير من القناصل من البعثات الأجنبية في القدس، بالإضافة إلى ممثل رئيس دولة فلسطين، ما يؤكد أهمية هذا الحدث للقادة الدينيين والمدنيين من مختلف أنحاء المنطقة.

وفي عظته، ذكّر غبطة البطريرك المؤمنين بأن ميلاد المسيح لا يحدث خارج التاريخ، بل “يدخل في التاريخ الحقيقي والملموس، وأحيانًا القاسي، ويجعله خاصًا به من الداخل". وأكد أن إحدى الرسائل المركزية للميلاد هي أن “الله لا ينتظر تحسن التاريخ قبل أن يدخله”، محتضنًا الواقع البشري بكل ألمه وعدم يقينه. وأضاف أن الميلاد ليس هروبًا من تحديات العالم، بل “مدرسة للمسؤولية”، مشددًا على أن "إنّ التاريخ لا يتغيّر بين عشية وضحاها. لكنّه قد يغيّر اتجاهه حين نسمح لأنفسنا، رجالاً ونساء، بأن نستنير بنور أعظم منا". وأوضح أن الميلاد يدعو المسيحيين لعدم البقاء محايدين، وترك الإنجيل يتجسد في حياتهم، ليصبحوا علامات مرئية للعناية والحنان والأمل.
وفي ختام قداس منتصف الليل، حمل البطريرك شخص الطفل يسوع إلى المغارة ووضعه في المذود بجانب النجم الذي يُعتقد تقليديًا أنه يشير إلى مكان ميلاد المسيح، معلنًا عن ميلاد المخلص ومصليًا أن يستمر نوره ليكون بلسمًا لشفاء عالمنا الجريح.
وفي يوم عيد الميلاد، 25 كانون الأول 2025 ترأس غبطة البطريرك قداسًا في كنيسة القديسة كاترينل مع المؤمنين في بيت لحم. وفي عظته، شجع المجتمع المحلي على الاستمرار في أن يكون انعكاسًا حيًا للكلمة المتجسد، مشيرًا إلى أن انعكاس نور المسيح في المؤمنين يمكنه إحداث فرق، ليس بالكمال، بل بالنعمة. ودعا المؤمنين لأن يكونوا أماكن يمكن للكلمة الإلهية أن تنمو فيها شيئًا فشيئًا، حاملة النور والأمل للعالم.
انقر أدناه لعرض الألبوم:
من القدس إلى بيت لحم
الدخول الرسمي إلى بيت لحم وصلاة الغروب
قداس منتصف الليل
قداس الصباح

